سافروا بحثاً عن حياة أفضل.. عودة حزينة لمهاجرين عراقيين رحلتهم السلطات الألمانية

سافروا بحثاً عن حياة أفضل.. عودة حزينة لمهاجرين عراقيين رحلتهم السلطات الألمانية
مهاجرون عراقيون رحلتهم السلطات الألمانية - أرشيف

رُحّل محمد جلال، البالغ من العمر 39 عامًا، في يناير الماضي، إلى إقليم كردستان شمالي العراق، بعدما قضى قرابة عشر سنوات في ألمانيا يحاول الحصول على إقامة قانونية

وعلى الرغم من محاولاته المتكررة، قوبلت طلباته بالرفض، ليجد نفسه في نهاية المطاف عائدًا إلى مدينة رانية بمحافظة السليمانية، حيث اضطر للعيش في شقة ضيقة مع والده المسن، ينامان على فرش إسفنجية رقيقة فوق أرضية خرسانية.

تفاقمت معاناة جلال في وطنه الأصلي، حيث لم يتمكن من العثور على عمل، رغم محاولاته فتح مشروع صغير “مخبز” ثم العمل بائعًا للفلافل بأجر يومي لا يتجاوز السبعة دولارات. 

ويعتمد اليوم بشكل كامل على تحويل شهري بقيمة 150 دولارًا يرسله أقاربه من المملكة المتحدة.

صعود اليمين يُقيد الأمل

شدّدت السلطات الألمانية سياسات الهجرة، ولا سيما مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، ما أدى إلى ترحيل الآلاف من طالبي اللجوء، خصوصًا من العراق ودول جنوب البحر المتوسط. 

وبررت السفارة الألمانية في بغداد عمليات الترحيل بقولها إن الأشخاص الذين لا يحتاجون إلى الحماية، ولا يواجهون خطرًا حقيقيًا في بلدانهم، لا يحق لهم البقاء في ألمانيا، رغم أن برلين استقبلت ملايين الفارين من الحرب خلال العقد الماضي.

سلك جلال طريق الهجرة في عام 2015، انطلاقًا من إسطنبول إلى إزمير، ثم عبر البحر إلى إحدى الجزر اليونانية، ومن هناك إلى أثينا، فدول البلقان، حتى وصل إلى ألمانيا. 

وخلال سنوات مكوثه هناك، عاش في مركز لطالبي اللجوء، وتلقى نحو 300 يورو شهريًا كمساعدة اجتماعية، وعمل أحيانًا بشكل غير قانوني في مدن بعيدة مثل نورمبرغ وميونيخ خلال الشتاء.

شراكات لرد المهاجرين

وقّعت دول أوروبية عدة اتفاقيات ثنائية مع العراق لتسهيل إعادة المهاجرين المرفوضة طلباتهم. 

وأكد سفير الاتحاد الأوروبي في بغداد، توماس سيلر، أن الاتحاد يعكف على توقيع اتفاقية "عودة وإعادة قبول" مع الحكومة العراقية، مشيرًا إلى أن بعض المدن الأوروبية لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من المهاجرين.

دعمت مؤسسات أوروبية، من بينها ألمانيا وسويسرا، برامج لدمج العائدين، شملت مراكز للتدريب المهني والدعم النفسي والاجتماعي في بغداد وأربيل. 

وبين يونيو 2023 ومايو 2024، تلقى نحو 350 عائدًا دعماً مباشراً من هذه البرامج التي تنفذها المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).

فجوة بين الواقع والتوقعات

حذر مدير جمعية المهاجرين العائدين إلى كردستان، الحقوقي أبو بكر علي، من الأوهام التي تراود الشباب حول أوروبا، مؤكدًا أن معظم العائدين يجدون أنفسهم بلا مأوى ولا دخل ولا مساعدة حكومية. 

وكشف أن نحو 300 شخص أُعيدوا قسرًا إلى العراق في الربع الأول من 2025، معظمهم من ألمانيا، والبقية من فرنسا والدول الإسكندنافية.

شهد إقليم كردستان، رغم كونه واحة استقرار نسبي، ارتفاعًا في نسبة البطالة في صفوف الشباب، حيث بلغت 37.2% للفئة العمرية بين 15 و24 عامًا في عام 2021، حسب الإحصاءات الرسمية. 

وأدى التدهور الاقتصادي وغياب الفرص إلى زيادة الرغبة في الهجرة، على الرغم من أخطار الطريق وكلفته العالية.

برامج بديلة لكنها محدودة

رعت المنظمة الدولية للهجرة خلال عام 2023 عودة طوعية لـ1577 عراقيًا من أكثر من 20 دولة، ضمن جهود للحد من الهجرة غير النظامية. 

وأطلقت مؤسسة "روانگه" الكردية برنامجًا لإعادة دمج العائدين بتمويل من الدنمارك وفنلندا، يتضمن التدريب المهني وتقديم منح مالية تراوحت بين 4,000 و5,000 يورو لـ15 مستفيدًا من أصل 120 مشاركًا.

واستفاد محمد إسماعيل، البالغ من العمر 29 عامًا، من هذا البرنامج بعدما قرر العودة إلى العراق في أبريل 2021، حيث اشترى حصة في ورشة لإصلاح السيارات. 

وكان قد قضى قرابة ست سنوات في ألمانيا دون الحصول على إذن عمل، وكان يتلقى 320 يورو شهريًا فقط، ما دفعه لليأس بعد رفض طلبه ثلاث مرات.

من الحلم إلى السياحة

فضّل إسماعيل، بعد عودته، الاستقرار والعمل في بلده رغم تواضع دخله الذي يبلغ 550 دولارًا شهريًا، ويعول منه زوجته وطفلهما. 

وأوضح أنه لا يفكر اليوم في الهجرة مرة أخرى، وإن قرر السفر إلى أوروبا يومًا ما، فسيكون ذلك بغرض السياحة فقط، لا للعيش الدائم.

يتضح من تجارب محمد جلال ومحمد إسماعيل أن الحلم الأوروبي ما زال يسكن قلوب كثير من الشباب العراقيين، لكنه يصطدم بواقع معقّد تفرضه السياسات المتشددة من جهة، والوضع الاقتصادي الهش في الداخل من جهة أخرى، وبين مطرقة الفقر وسندان الهجرة القسرية، يبقى كثيرون عالقين في حلقة من المعاناة والانتظار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية